قوله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ} يعني: الحرم، {آمِنًا} ذا أمن يؤمن فيه، {وَاجْنُبْنِي} أبعِدْني، {وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ} يقال: جَنَبْتُه الشيء، وأجْنَبْتُه جنبًا، وجَنَّبْتُهُ تَجْنِيْبًا واجتَنَبْتُهُ اجتنابًا بمعنى واحد.فإن قيل: قد كان إبراهيم عليه السلام معصومًا من عبادة الأصنام، فكيف يستقيم السؤال؟ وقد عبد كثير من بنيه الأصنام فأين الإجابة؟قيل: الدعاء في حقِّ إبراهيم عليه السلام لزيادة العصمة والتثبيت، وأما دعاؤه لبنيه: فأراد بنيه من صُلْبه، ولم يعبد منهم أحدٌ الصنم.وقيل: إن دعاءه لمن كان مؤمنًا من بنيه.{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} يعني ضلَّ بهن كثير من الناس عن طريق الهدى حتى عبدوهن، وهذا هو المقلوب، نظيره قوله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} [آل عمران- 175]، أي: يخوفهم بأوليائه.وقيل: نسب الإضلال إلى الأصنام لأنهن سبب فيه، كما يقول القائل: فتنتني الدنيا، نسب الفتنة إلى الدنيا لأنها سبب الفتنة.{فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} أي: مِنْ أهل ديني، {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قال السدي: معناه: ومن عصاني ثم تاب.وقال مقاتل بن حيان: ومن عصاني فيما دون الشرك.وقيل: قال ذلك قبل أن يعلمه الله أنه لا يغفر الشرك.